نماذج من التراث ومقتطفات من جزائر ما بعد 62

نماذج من التراث ومقتطفات من جزائر ما بعد 62


يُختتم بالمتحف الوطني العمومي للفنون والتقاليد الشعبية 'دار خداوج العمياء' بالقصبة السفلى، اليوم 22 فيفري الجاري، معرض لمجموعة خاصة بالطوابع البريدية الجزائرية للأستاذ عبد القادر شقرون القادم من تلمسان، ومعه تراث لا يقدَّر بثمن، اطلع عليه الجمهور العاصمي والأجنبي.

يشمل المعرض الفترة من 1962 إلى 2023، متضمنا نماذج من التراث الثقافي والفني الجزائري، وبعض الشخصيات والأعلام والأحداث البارزة في هذه الفترة من عمر الجزائر المستقلة، علما أن كل تلك الطوابع هي من رصيد المجموعة الخاصة بالأستاذ شقرون.

وجالت 'المساء' وصالت في هذا المعرض المشعّ بالأضواء والألوان، وجمال الصور العاكسة لغنى تاريخنا الوطني الحافل. ومن ضمن المواضيع التي تصدرت هذه الطوابع، الصناعات التقليدية، التي بقيت شاهدة على ارتباط الأجيال بعدما ورثها السابقون بأمانة، ومن ذلك الصناعات اليدوية؛ كالنسيج، والنحاسيات، والطرز، والحلي التقليدية، وصناعة الفخار، والأواني، وصناعة المرايا المشبّكة بالأرابيسك، وفن المنمنمات، والتذهيب، وصناعة الزرابي، والنقش على الخشب. وهناك، أيضا، النقود والمسكوكات القديمة، ثم المعالم العمرانية؛ منها المساجد، والقصور، والبيوت، والزوايا وغيرها، ناهيك عن الفنون؛ كالغناء والفرق الشعبية البارزة في مناطق مختلفة من الوطن.

ويقدم المعرض تشكيلات بمثابة تحف وروائع لطوابع بريدية أغلبها قطع أصلية نادرة، مرفقة بورقات تعريفية، تعكس مجالات صناعة الآلات الموسيقية التقليدية النفخية والوترية، والنحاس التقليدي، وكذا الرقصات الشعبية، والأزياء المنتشرة عبر الجزائر. وطوابع أخرى تبرز روائع الفسيفساء الشاهدة على روعة الإبداع الظاهر في العمران منذ العهد الروماني وحتى اليوم، كذلك مع الفن الإسلامي، على غرار آثار الفنون الزيانية، والعثمانية والأندلسية.

وكلما اتجه الزائر بنظره يكتشف المزيد من الطوابع التي تضاهي أرقى اللوحات الفنية. ومن ضمن ما قدّمت رموزا من أبطال المقاومات الشعبية، ومن أبطال النضال الوطني والثورة المجيدة، فيما عرّفت أخرى بالمعالم الأثرية، ومختلف الأماكن التي يجهلها الكثيرون. وهناك، أيضا، صور لفنانين، أغلبها أُنجزت بمناسبة اليوم الوطني للفنان، فيظهر عميد الأغنية الشاوية عيسى الجرموني، وكذا الحاج محمد الطاهر الفرقاني في المالوف، وفي التندي عثمان بالي، زيادة على مهرجانات ثقافية كبرى عرفتها الجزائر المستقلة؛ منها 'الباناف' (المهرجان الثقافي الإفريقي) في طبعته الأولى سنة 1969، وفي طبعته الثانية عام 2009. أما في مدخل المعرض، فعُرض كتاب فخم، هو 'الموسوعة الوطنية للطوابع الوطنية'، التي تؤرخ لمسار الطابع البريدي في الجزائر.

وبالمناسبة، التقت 'المساء' الأستاذ شقرون، الذي يتمتّع بصدر رحب، فأجاب عن أسئلة الجمهور والزوار، منهم تلاميذ إحدى الابتدائيات، الذين قدِموا في أفواج، وأُعجبوا بهذا الفن الراقي.

وقال شقرون إن الهدف من تنظيم المعرض الذي يضم أزيد من 300 طابع أصلي، هو تعريف الجمهور بالتاريخ والثقافة والعادات والتقاليد، وبقارة الجزائر الغنية بمدنها وبواديها وطبيعتها وفنونها، مع إبراز أهمية الطابع البريدي كمروّج للثقافة، والسياحة والفنون.

وقال شقرون محدثا 'المساء' عن مساره: 'أشتغل موظفا بولاية تلمسان. وبدأ مشواري مع الطوابع البريدية منذ سنة 1983، وكان عمري، آنذاك، 9 سنوات. وأول سلسلة تحصلت عليها وامتلكتها كانت عن الأمير عبد القادر، وكانت هدية من والدي المجاهد الراحل، علما أنني ابن عائلة ثورية وبها شهداء. ثم تطور البحث وهذه الهواية عندي، وأصبح لي معارضي التي لم تتوقف منذ منتصف التسعينيات، وقد فاق عددها 100 معرض، منها المحلي والوطني والدولي. وقد جبت بها ولايات الجزائر؛ من تلمسان إلى وهران، وبسكرة، وسطيف، وعين تموشنت، وأم البواقي، وقسنطينة، والعاصمة، وباتنة. وأينما حللت وجدت الدعم والتشجيع. وكذلك كانت الحال في الشقيقة تونس، التي اكتشف أبناؤها التراث الجزائري، وتاريخه، وأُعجبوا به'.

كما أكد المتحدث أنه في كل معرض يبرمج محاضرة عن تاريخ الطوابع التي هي جزء من تاريخ الجزائر، مضيفا أن اهتمامه بالطوابع وليد اهتمامه بالتراث الوطني وكل ما تعلق بتاريخ الجزائر وهويتها، إضافة إلى الاهتمام بجوانب أخرى؛ منها البيئة، والرياضة، وغيرهما، علما أن التركيز يبلغ أقصاه في التاريخ، خاصة في الفترة الاستعمارية، وما يمثله من أهمية.

وعن هذا المعرض المقام بـ 'دار خداوج العمياء' قال: 'أنا في ضيافة هذا المتحف العريق، لعرض طوابع تعود إلى فترة من 1962 إلى 2023، تتعلق بالتراث الثقافي المادي وغير المادي، وبشكل أوسع العادات والتقاليد، والفنون، والفلكلور، واللباس، وفن العمارة، والزخرفة، والحرف والمهن اليدوية، وغيرها؛ بـ 300 طابع بريدي، علما أنني أمتلك في رصيدي 40 ألف طابع. كما أهتم بالعملات والأمكنة وبطاقات البريد، وحتى البطاقات الهاتفية؛ فمثلا جمعت بطاقات لمتعاملي الاتصالات في الجزائر لم تعد موجودة، وكذلك قصاصات المهرجانات والملتقيات وغيرها، ومنها قصاصات ومطويات 'الباناف'؛ فكل شيء مؤرشف عندي، لينقَل لأجيال اليوم والغد'.

وطاف الأستاذ شقرون مع 'المساء' في أجنحة المعرض، مستعرضا أهمية التعريفات التي ترافق المعروضات مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، ومشيرا إلى ختم بريد الجزائر الذي يعطي تاريخ الصدور. وهنا ألحّ على ضرورة إعادة الطابع البريدي إلى المدارس كما كان في الماضي؛ لترسيخ الفن، والثقافة، والهوية، والتراث الشعبي. وأوضح أنّ بيده طابعا خاصا بحكاية لونجة بنت الغول، وحكاية بدرة، وغيرهما.

بتاريخ : 22-02-2023
المصدر : El Massa (el-massa.com)