تجليات الجلفة في الطوابع البريدية الجزائرية

تجليات الجلفة في الطوابع البريدية الجزائرية


يُعرّف طابع البريد على أنه ما يلصق بالرسائل وغيرها من بطاقات صغيرة ترسمها الدولة وتجعلها رمزا لأداء أجر الإرسال ونحوه طابع التبرعات وطابع الدمغة. وتكمن أهميته –بغض النظر عن وظيفته الأصلية كدمغة- في أنّه وثيقة أرشيفية هامة تشهد على الأحداث والوقائع التي تعيشها الدول وتعكس جوانبها الحضارية والثقافية، لذا فقد اهتمت حكومات الدول به وأولته عناية خاصة من خلال مؤسسات البريد لطباعته واختيار مواضيعه وتكليف الفنانين بهذه الأعمال.

ويعتبر السير الانجليزي 'رولاند هيل Rowland Hill'، رفقة مساعديه، أول من جسد فكرة طابع البريد حيث كان أول ظهور له في بريطانيا العظمى سنة 1840. ويعرف بـ 'بيني بلاك' نسبة لقيمته 01 بيني 'بنس' ويمثل طابعا أسودا تتوسطه صورة جانبية للملكة فيكتوريا. لتتوالى الإصدارات عبر الدول فأصدرت ولاية نيويورك الأمريكية أول طوابعها عام 1842 ثم مقاطعتي زوريخ وجنيف السويسريتين والبرازيل أول طوابعها البريدية في 1843. أمّا فرنسا فكان أول إصدار لها سنة 1849.

الطابع البريدي الجزائري وموضوعاته

في فترة انتشار الطابع البريدي كانت الجزائر تحت حكم الاستعمار الفرنسي وتستخدم نفس الطوابع البريدية الفرنسية حتى سنة 1924 أين ظهرت عبارة ''Algérie Poste'' أي 'بريد الجزائر' تحت وسم 'الجمهورية الفرنسية' وهي طوابع بريدية فرنسية خصصت للاستعمال في الجزائر فقط.

في الأشهر الأولى بعد الاستقلال ونظرا لعدم وجود طابع بريدي جزائري خالص وبقاء مخزون كبير من الطوابع الفرنسية صدرت بعض الطوابع البريدية تحمل شعار الجمهورية الفرنسية إلاّ أنها حُمّلت بوسم 'E A' والذي يعني الدولة الجزائرية 'Etat Algérien'. وكان الأول نوفمبر من سنة 1962 يوما تاريخيا للجزائر بمناسبة الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة حيث صدر أول طابع بريدي جزائري.وقد صُمم بخريطة لإفريقيا بلون أخضر فاتح وخريطة الجزائر بلون أخضر داكن تعلوها أقواس ومزدانة بالعلم الوطني على اليسار. وفي زوايا الطابع نجد عبارتي الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وبريد الجزائر باللغة العربية وبقيمة '01 فرنك+ 09' تكريما ومساعدة لعوائل الشهداء.

وقد دأبت الجزائر بعد استقلالها مباشرة على الاهتمام بالطابع البريدي من كل مناحيه شكلا ومضمونا من خلال الاحتفاء باستقلالها وإعادة بناء الوطن من جديد. فجاءت الطوابع مبرزة لمقدّرات الجزائر والتوثيق لمرحلة البناء والتشييد حتى ترصع صفحات مضيئة لتاريخها ولتضفي عليها جمالا فوق جمال. وتنوعت الإصدارات ومواضيعها التاريخية، السياسية، الثقافية، الاجتماعية، مؤرّخة للفترات السياسية وبدايات بناء الدّولة المستقلة الفتية كما أتيحت الفرصة لبعض الفنانين الجزائريين بغية إثراء هذه المواضيع وتصميمها وإخراجها ومواكبة للتطور الهائل في وسائل وآلات الطباعة الحديثة وكانت ذات دلالات موحية ومعبّرة وأشكال ورموز فنية وصور تخليدية وبورتريهات.

إصدرات الطوابع البريدية الممثلة لمنطقة الجلفة

من خلال مسح شامل لإصدارات بريد الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا يمكن ملاحظة أن ولاية الجلفة لم تنل حظا كبيرا في إصدارات طوابع البريد كموضوع مباشر. وقد حظيت منطقة الجلفة بثلاث إصدارات فقط بمجموع أربع طوابع بريدية تبرز منطقة الجلفة بشكل واضح.

الإصدار الأول يتكون من طابعين بريديين بعنوان 'النقوش الصخرية الأطلس' والإصدار الثاني المدينة (طابع واحد) والإصدار الثالث معارك (طابع واحد). ونورد هذه الإصدارات كما يلي:

نحت صخري - عين الناقة:
26 مارس 1987 هو اليوم الأول للإصدار، حيث جاء ضمن إصدار بعنوان 'النقوش الصخرية الأطلس' توقف تداوله يوم 17 أكتوبر 1991 . تبلغ قيمة هذا الطابع 01 دينار. وهو رسم تشكيلي للفنّان 'شاكر ج' يعبّر عن جدارية شهيرة للفن الصخري بمنطقة عين الناقة (45 كم جنوب شرق الجلفة) تدعى 'العاشقان الخجولان' أو 'المحبان الخجولان' . وتمثل مشهدا لرجل وامرأة جالسين متقابلين حيث الرجل إلى اليسار جاث على ركبتيه وحاملا كنانة والمرأة على اليمين. وقد اكتشفت هذه الجدارية سنة 1965 من طرف الأب فرونسوا دو فيلاري. أُثار موضوع وطريقة تنفيذ وكذا تفاصيل هذه الجدارية اهتمام العديد من الباحثين والمتخصصين في الفن الصخري.

نحت صخري - زكار:
وهو الطابع الثاني في نفس الإصدار الذي حمل عنوان 'النقوش الصخرية الأطلس' لنفس الفنّان أمّا قيمته المالية فكانت 03.30 دينار. ويعبّر عن جدارية للفن الصخري بمنطقة زكّار (30 كم جنوب شرق الجلفة). تتواجد هذه الجدارية على بعد كيلومترين (02) من مقر البلدية في المكان المعروف بـ 'دير الدقاورين'. وقد اكتشفت هذه الجدراية سنة 1907 من طرف 'ماني Magny'، حيث يوجد ملجأ صخري يتضمن جدارية لمشهد صيد متمثلا في أسد جاثم خلف ظبي منبطح. وتتميز هذه النقوش بدقة عالية في التنفيذ تعلوها نعامة أقل اتقانا من المشهد الأوّل.

الجلفة:
اليوم الأول للإصدار كان يوم 05 جويلية 2016 وقد جاء ضمن إصدار بعنوان المدينة أمّا قيمته المالية فكانت 25.00 دينار. وهو رسم تشكيلي للفنان 'مرسلي زكريا' يمثل مشهدا لواجهة 'مسجد الرحمن' و'المركز الثقافي الإسلامي' بحي 05 جويلية بالجلفة. أمّا زاوية الرسم فهي على الأرجح سطح مقر ولاية الجلفة. ويعتبر 'مسجد الرحمن' و'المركز الثقافي الإسلامي' من المباني الحديثة في المدينة. كما يمكن ملاحظة بعض التفاصيل كالنافورة التي تتوسط الطريق والشارع المؤدي لحي 5 جويلية وبعض واجهات عماراته وكذا جزءا من الطريق المؤدي للجامعة.

معركة جبل بوكحيل:
كان اليوم الأول للإصدار بتاريخ 05 جويلية 2017، وقدّرت قيمته هذا الطابع 25.00 دينار، حيث جاء ضمن إصدار بعنوان 'معارك بمناسبة الذكرى الـ55 للاستقلال والشباب'. ويمثل الرسم معركة' جبل بوكحيل' الشهيرة والتي جرت أطوارها في فترة حساسة يومي 17 و 18 سبتمبر 1961. حيث عرفت أيضا بمعركة الـ 48 ساعة وكان موقعا 'الكرمة ' و'جريبيع ' مسرحا لأحداثها. شارك في هذه المعركة معظم قيادة الولاية التاريخية السادسة بزعامة العقيد معمد شعباني واستبسل المجاهدون في هذه الملحمة وعرفت إنزالا كبيرا للقوات الاستعمارية لمدفعيته الثقيلة مدعومة بالطائرات الحربية. وعلى الرغم من عدم تكافئ موازين القوى إلاّ أن المجاهدين ألحقوا هزيمة نكراء على أبواب الصحراء بالاستعمار الفرنسي. ويمثل رسم الطابع لوحة مقترحة من وزارة الدفاع الوطني لموقع المعركة أين تبدو جبال صخرية تتوسطها شعاب ومنظر لطائرات العدو مع وجود دخان القصف، كما تبدو في الرسم صور لمجاهدين أثناء المعركة متموقعين وسط النباتات والصخور .

وقد تبين أنّ هناك طوابع بريدية وإن حملت عناوين مختلفة (بدون ذكر المنطقة) إلاّ أنّها تحتوي على مواضيع تعنى وتلمّح بشكل أو بآخر لولاية الجلفة. لأنّ مقدّرات المنطقة الكثيرة وخاصة أنّها أحيانا تشترك مع مناطق أخرى مجاورة ومن هذا المنطلق رصدنا إصدارت الطوابع البريدية ذات المواضيع التالية:

‌أ- الرعي: تم إصدار هذا الطابع في 17 جوان 1976 بقيمة مالية قدرت بـ 0.5 دينار، وهو من رسم الفنّان 'بشير يلّس' بعنوان الرعي. وكما هو معلوم فإن منطقة الجلفة منطقة رعوية بامتياز وتحتوي على ثروة حيوانية هامة تتمثل أساسا في الماشية (الأغنام). ومما عزز نشاط الرعي شساعة المنطقة السهبية واحتوائها على مختلف أنواع النباتات التي تعتبر مراعي جيدة لهذه الماشية. كما أنّ البدو الرحل والموالين يفضلون كسب وتربية الماشية لاعتبارات دينية وسوسيو-ثقافية.

‌ب- السد الأخضر على أبواب الصحراء: صدر هذا الطابع في 25 نوفمبر 1976 بقيمة مالية 01.40 دينار وهو من تنفيذ الفنان 'بشير يلّس'. حيث يجسد من خلاله مشروع السد الأخضر الذي أقامه أفراد الجيش الشعبي الوطني خدمة لوطنهم بهدف توقيف زحف الرمال. وكان لمنطقة الجلفة نصيب من هذا المشروع ، ولا تزال أشجاره تزيّن غابات ولاية الجلفة .

‌ج- رقصة أولاد نايل: تعتبر منطقة الجلفة عاصمة لأولاد نايل وحاضنة لتراث ثقافي أصيل لقبائل أولاد نائل. هذه الأخيرة تضم كونفدرالية واتحادا لعدة قبائل كأولاد نايل ورحمان والسحاري والعبازيز والمويعدات وأولاد زيد وأولاد بن علية وأولاد سيدي يونس وغيرهم. ومن أهم مظاهر الفلكلور في المنطقة الرقصة النايلي أو ما يعرف كذلك بـ'السعداوي'. وهي رقصة في غاية الجمال تؤدي من طرف الرجال والنساء وأحيانا برقصة ثنائية 'المخايلة' تؤدى من طرف رجل وامرأة. وقد صدر الطابع البريدي يوم 20 نوفمبر 1986 بقيمة 02,40 دينار. ويمثل امرأة بلباسها التقليدي مؤدية للرقصة ورسمه الفنّان 'سيد أحمد بن تونس' وجاء الإصدار مع مجموعة أخرى من الطوابع تحت مسمى (الرقصات الفلكلورية).

‌د- تثبيت الكثبان: صدر هذا الطابع بتاريخ 26 نوفمبر 1987 بقيمة 01.00 دينار من رسم الفنان 'كريم قمر الدين'. وهو يمثل مجموعة من الفلاحين بصدد غرس بعض النباتات لوقف زحف الرمال وتثبيت الكثبان الرملية.

‌هـ - حلي الأطلس الصحراوي: بمناسبة اليوم المغاربي للصناعات التقليدية 16 أكتوبر 1994 تم إصدار ثلاثة طوابع بريدية تمثل أبازيم، حزام وأساور بقيم مالية 03,00 و05,00 و12.00 دينارا على التوالي. والمجموعة من رسم الفنان 'الطاهر بوكروي'. وقد اشتهرت المرأة النايلية بحليها الفضية وهذا ما نجده موثقاً بشكل كبير في الصور القديمة إبان الفترة الاستعمارية. وحافظت الكثير من العائلات الجلفاوية على هذا الموروث من خلال ارتدائها في المناسبات وحتى في غير المناسبات. وتتنوع هذه الحلي حسب الشكل والوظيفة فمنها حلي لليد والعنق وكذا للخصر وأخرى للقدم.

‌و- إبزيم دائري وحلية صدرية من الأطلس الصحراوي: وهما طابعان بريديان من رسم الفنان 'قمر الدين كريم'. وعلى الرغم من طباعة هذين الطابعين البريديين في 2008 إلاّ أنّ تاريخ الإصدار كان في شهر أوت 2009. وكان الموضوع الرئيسي للإصدار حلي الجنوب. ويمثل الطابعان الحلي الصدرية الفضية التي عرفتها نساء أولاد نايل ولازلن يرتدينها إلى أيامنا هذه. أما قيمتهما الماليتين فهي 09,00 و10,00 دينار على التوالي.

‌ز- البرنوس –الجنوب: صدر هذا الطابع يوم 09 جويلية 2019 وجاء ضمن إصدار بعنوان لباس متوسطي من رسم الفنانة 'زينب بحري' بقيمة 25.00 دينار. ومن خلال النشرة الوصفية للطابع فكان التعريف أنّ برنوس وبر الجمال يظل علامة صناعة تقليدية مسجلة بولاية الجلفة وبخاصة في مدينة مسعد، وترتبط نوعية برنوس أولاد نايل التي لا جدال فيها، بالمادة الأولى التي ينجز بها الوبر النقي للجمال. ولا تزال عديد العائلات محافظة على هذه الصناعة النسيجية التقليدية التي لا تكتمل إلاّ بعد مرحلة الخياطة وخاصة اليدوية أين تبرز قدرات الحرفيين الرجال المعروفين بمهارتهم وإتقانهم ودقتهم وبذلك تتحول إلى برانيس فاخرة جذابة تعكس مكانة مرموقة للابسيها.

‌ح- شكوة الحليب –الجنوب: بمناسبة اليوم الوطني للصناعة التقليدية 09 نوفمبر 2019 تمّ إصدار طابعين بريديين وكان موضوع أحد الطوابع ‌شكوة الحليب –الجنوب للفنّانة زينب بحري، وقيمة هذا الطابع 50.00 دينارا.

ومن خلال التمعن في الرسم نلاحظ امرأة بزي تقليدي وخلفها خيمة مزدانة بأشرطة حمراء وسوداء تمثل قبائل أولاد نايل. يبدو في الرسم أنّ المرأة جالسة وتستخدم الشكوة لمخض الحليب (الماعز، البقر، الإبل) ليصير لبنا ومنه تستخرج الزبدة. والشكوة وعاء جلدي تخضع لمراحل تحضير وتصنيع تقليدية (وهي من أنواع معرفة العيش باستغلال البيئة). ولقد أتقنت البدويات وحتى ساكنات المدينة صناعتها. أمّا استعمالها فيتم من خلال تثبّتيها على ثلاثة دعامات خشبية تعرف بـ' الحمّارة' حيث تجلس المرأة وتبدأ بتحريكها 'خضها' أي دفعها ذهابا وإيابا لمدة حتى تحصل في الأخير على لبن جاهز للاستهلاك. كما أنّ الشكوة تحتوي على فتحة لرقبتها تفتح وتغلق يدويا بواسطة خيط من الجلد أو الحلفاء.

من خلال عملية المسح والجرد التي قمنا بها نلاحظ أنّ عدد الطوابع التي تناولت موضوع منطقة الجلفة بشكل مباشر قليل جدا (04 طوابع خلال 58 سنة) وحوالي 11 طابعا لمّح إلى أحد الأوجه الثفافية للجلفة دون ذكرها بالاسم أو كموضوع رئيسي. كما لاحظنا أنّ هناك تداخل وخلط في توصيف المصطلح الجغرافي من خلال الطوابع البريدية التي تناولت موضوع الجلفة فنجد حلي الأطلس الصحراوي تارة واللباس المتوسطي وحلي الجنوب وبرنوس الجنوب. وهنا نتساءل عن الأبحاث البيبلوغرافية التي يقوم بها الفنّانون قبل إصدار هذه الطوابع لمنطقة الجلفة. واختيار عناوين عامّة فالمعروف أنّ البرنوس الوبري مثلاً تشتهر به منطقة مسعد في حين نجد عنوان الطابع برنوس-الجنوب.

تجدر الإشارة الى أنّ طابع البريد اليوم وعلى الرغم من منافسة طرق الاتصال الرقمية والالكترونية إلاّ أنّه لا يزال يحافظ على وجوده لكن مكانته عند الدول وجامعي الطوابع والهواة لا تزال تحظى باهتمام وعناية فائقة.

وهكذا تبقى إصدارات الطوابع البريدية التي تعنى بالجلفة قليلة جدا لا تعكس حجم الزخم والإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها الولاية وتاريخها ومقدراتها الطبيعية والجيولوحية والأثرية وحتى الأحداث السياسية. وعليه نتمنى أن نرى في المستقبل القريب إصدارات أكثر لمنطقة الجلفة للتعريف بعلمائها وشخصياتها ومقاومتها الشعبية وتراثها الثقافي الأصيل كالخيمة والتراث البيزري ومختلف المواقع الأثرية الضاربة في القدم وحتى الإمكانات السياحية ومناطق التنوع البيولوجي.

بتاريخ : 24-07-2020
الكاتب : الدكتور بوعكاز عيساوي
المصدر : Djelfa Info (djelfainfo.dz)